نجد المرأة في نصوص القرآن في أربع أنواع من الخطاب الرباني:
الرجل والمرأة سواء في الخطاب الرباني:
1- التضمين العام:
وهو الذي تدخل فيه المرأة مع الرجل في أي خطاب قرآني ويعبر عنه باللفظ أن النساء مستورات في الرجال في الخطاب الرباني، فإذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، توجه الخطاب قطعًا إلى الرجل والمرأة، وإذا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] فلا يشك أحد أن الخطاب متوجه لهما معا، وهذه تخدم قطعا قضية المقام حيث يتساوى الرجال والنساء في هذا التكليف الرباني، إلا ما ورد تخصيصه بما يتناسب مع المهام.
ومن الأمثلة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9]، هذا النداء موجه على سبيل الوجوب للرجال لكن المرأة لا جمعة عليها، إذ قد لا تستطيع تترك أولادها أو والديها أحيانا، فكان تخفيفا من الله حيث ترك لها الحق في الخروج لصلاة الجمعة دون أن يُفرض عليها، لكن هذه الأحكام هي استثناء من الأصل العام أن الرجل والمرأة سواء في الخطاب الرباني، وأن المرأة مشمولة مضمونة في كل خطاب عام للإنسان، سواء ورد في القرآن أو السنة.
وهذا الجانب المتضمن بشكل عام لا يمكن إيراده هنا لكنه يؤكد على هذا المعنى الإنساني في القرآن الذي خاطب الرجل والمرأة كإنسان يحمل صبغتي التشريف والتكليف في الوقت نفسه، فمن التشريف قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]، ومنه أيضا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
ومن التكليف قوله تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].
أوضح صور التعبير عن المرأة بالقرآن:
2- النص الجلي:
وهو أوضح صور التعبير عن المرأة كما سبق، حيث يرد بالألفاظ التالية ومشتقاتها: امرأة، أنثى، نساء، السيدة مريم، أم، والدة، بنت، أخت، عمة، خالة، فتيات، إماء، ملكت أيمانكم، أيامي، صاحبة، حلائل، ربائبكم، الأرحام (رحم المرأة)، المحيض، الحمل، الرضاعة، التي، اللاتي، اللائي، صفات للمرأة، وهذه قد وردت 475 تقريبا.
3- التضمين الجلي:
لا يشك عارف باللغة أن الأمر ببر الوالدين يعني الأب والأم وأن لفظ الأولاد يعني الذكور والإناث، يقول الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء: 11]، وقوله تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ}، سواء كان ذكرا أو أنثى، وقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176]، ومن المتفق عليه أن الأخت لا تأخذ النصف إلا إذا لم يوجد فرع وارث من الأبناء أو البنات مثل الابن والبنت، وابن الابن وبنت الابن. ومن هذه الألفاظ أيضا كلمة اليتامى التي فيها تضمين جلي، كلمة اليتيم وتعني من فقد أباه وأمه أو أحدهما سواء كان ولدًا أو بنتًا، بل قد يردِ مقصورًا على البنت، كما في قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]، ومنه أيضا قوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ} [النساء: 127].
ومن التضمين الجلي أيضا ألفاظ: زوج، النكاح، الوالدين، الآباء، الذرية، الولد، طلاق، ذو القربى، الأقربون، الأرحام (الأقارب)، اليتيم، الأهل، فمن ذا الذي يشك أن البر والصلة والإحسان واجب للأرحام والأٌقربين رجالا ونساء؟!. والجدير بالذكر أن هذا التضمين الجلي عن المرأة قد ورد في القرآن حوالي 394 مرة.
آيات بكاملها.
4- التضمين الخفي:
هو أحد ثمرات الاستقراء لكل آيات القرآن الكريم، فسنجد أن هناك آيات بكاملها لا يوجد فيها لفظ واحد مما يدخل في النص أو التضمين، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الأحزاب: {تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا} [الأحزاب: 51]،
ومنه ما يأتي كثيرا وفيرا عطفا على كلمة في أول الآية، ومنه قوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، فنون النسوة أو الضمائر هنا تكررت 24 مرة في آية واحدة، عطفا على كلمة المؤمنات، فهل يجوز هذا الإهمال لهذا الكم الوفير من الحروف أو الضمائر؟، وهي إما فاعل حقيقي للأفعال في ألفاظ مثل: {يغضضن}، {يحفظن}، {يبدين}، إلخ... أو مضاف إليه في ألفاظ مثل: {أبصارهن}، {فروجهن}، {خمرهن}، {زينتهن}، {آبائهن}، إلخ...، وقد ورد في القرآن التضمين الخفي مشيرا إلى المرأة حوالي 619 مرة.
المواضع التي تشير إلى المرأة رغم أن اللفظ قد يشير إلى أكثر من ذلك:
ثانيًا: اقتصرت في هذا الجدول على إيراد وتعداد المواضع التي تشير إلى المرأة رغم أن اللفظ قد يشير إلى أكثر من ذلك، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:
1- كلمة أهل، لم أعتبر هذه الكلمة إلا إذا كانت تشير نصًّا إلى المرأة سواء كانت زوجة، مثل قوله تعالى: {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [النمل: 7]، أو كانت تعني المرأة كعضو في الأسرة، كقوله تعالى: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} [الفتح: 11]، وقوله تعالى: {إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45] أي من أسرتي، وقوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89]، وقد تكون المرأة جزءًا من العشيرة أو الأسرة الكبيرة أو المجتمع، كما في قوله تعالى: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النساء: 75]، واستبعدت ما جاء بمعنى الجماعة أو الفئة مثل يا أهل الكتاب وأهل الذكر، وكذا أهل بمعنى صاحب أو أصحاب مثل أهل التقوى أو أهل الكهف.
2- حذفت أيضًا من ألفاظ التضمين الجلي ما يشير إلى أن الكلمة مخصصة بالسياق للذكر، مثل كلمة ولد مخصصة بالسياق للذكر دون الأنثى، مثل في قوله تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 15]، لأنها سيقت عن سيدنا يحيى عليه السلام، وكذلك في قوله تعالى: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 33]، أن هذا من قول سيدنا عيسى عليه السلام.
الكاتب: د. صلاح الدين سلطان.
المصدر: موقع أ. د. صلاح الدين سلطان.